خطاب الأمين العام أمام الجمعية العامة 2024
The UNSG address to the General Assembly
نيويورك، 24 أيلول/سبتمبر 2024، الساعة 9:00 صباحا
السيد رئيس الجمعية العامة،
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
إن عالمنا اليوم يوجد في عين العاصفة.
فنحن في حقبة تحوُّل مشهود، تواجهُنا فيها تحدياتٌ لم نرَ مثلَها قطُّ، تحدياتٌ تستدعي حلولاً عالمية.
ومع ذلك، فهُوَةُ الانقسامات الجيوسياسية ماضيةٌ تتعمق. وحرارةُ الكوكب ماضية ترتفع.
والحروب ماضية تستعر ولا أَمارةَ على نِهايتها كَيف تكون.
وفي الأفق ظِلالٌ قاتمة من التلويحِ بالأسلحة النووية وظهورِ أسلحة جديدة.
إننا ماضون نحو مصير مجهول - نحو برميل بارود يوشك أن ينفجر في وجه العالم.
وفي الوقت ذاته، عام 2024 عامٌ يذهب فيه من البشرية نصفُها إلى صناديق الاقتراع - في عملية ستؤثر في البشرية جمعاء.
في خضم هذه العاصفة، أقف أمامكم اليوم وأنا موقِنٌ من حقيقتين لا يُعلى عليهما.
أولاً، الحالةُ التي عليها عالمُنا حالةٌ فوق ما يمكن تحمُّلُه.
ولا يمكن أن نُبقيَ الأمور تسير على ما هي عليه.
ثانياً، التحديات التي نواجهها يمكن أن تُحل.
ولكن حلَّها يتطلب منا أن نتأكّد من أنّ آليات حلِّ المشاكل الدولية تحُلُّ المشاكلَ بالفعل.
ولقد كان مؤتمر القمة المعني بالمستقبل خطوة أولى في هذا الاتجاه، ولكن يبقى أمامنا شوط بعيد يلزم أن نقطعه.
ولبلوغ المرام، لا بد من مجابهة ثلاثة عوامل رئيسية لهذا الوضع الذي لا يمكن تحمُّله.
عالمٌ يسمح بالإفلات من العقاب - حيث تهدد الانتهاكاتُ والتجاوزاتُ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة من الأساس.
وعالمٌ تنعدم فيه المساواة - حيث تهدد المظالمُ ومظاهرُ الحيْف بتقويض أسس البلدان أو تلقي بها إلى الهاوية.
وعالمٌ ينعدم فيه اليقين - حيث تظل المخاطر العالمية خارج السيطرة وتهدد مستقبلنا بطرق لا قِبل لنا بمعرفتها.
هذه العوالم المطبوعة بالإفلات من العقاب وعدم المساواة وعدم اليقين مترابطة ومتداخلة.
أصحاب المعالي والسعادة،
لقد بلغ الإفلاتُ من العقاب في العالم درجة لا يمكن الدفاع عنها سياسيًا ولا يمكن التسامح معها أخلاقيًا.
فقد صار اليوم عدد متزايد من الحكومات ومن غير الحكومات تشعر وكأن من حقها أن تنال صك ”تبرئة مسبقة“.
فهي بمقدورها أن تدوس على القانون الدولي.
وبمقدورها أن تنتهك ميثاق الأمم المتحدة؛
وأن تتجاهل الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان أو قرارات المحاكم الدولية؛
وأن تُبدي الازدراء للقانون الدولي الإنساني؛
وأن تغزوَ بلدا آخر، أو تدمر مجتمعات بأكملها، أو أن تتجاهل تماما رفاه شعبها ذاتِه.
كل ذلك، دون أن يتحرّك ساكنٌ.
ظاهرة الإفلات من العقاب في عصرنا هذا نراها في كل مكان: في الشرق الأوسط، وفي قلب أوروبا، وفي القرن الأفريقي، وفي غير هذه المناطق.
فالحرب في أوكرانيا تتوسّع دائرتها دون أن تبدوَ عليها بوادر التوقف.
والمدنيون هم من يدفع الثمن، سواء من حيث ارتفاع عدد القتلى أو من حيث تحطم حياة الناس والمجتمعات.
لقد حان الوقت لإحلال السلام العادل، على أساس ميثاق الأمم المتحدة، وعلى أساس القانون الدولي، وعلى أساس قرارات الأمم المتحدة.
وفي الوقت نفسه، هذه غزة، كابوسٌ لا ينتهي، يكاد يجرف المنطقة بأكملها.
وانظروا إلى لبنان.
حالة التصعيد هناك يجب أن تُشعرنا جميعا بالفزع.
فلبنان يوجد على شفير الهاوية.
ولا أحد يتحمّل أن يتحول لبنان إلى غزة أخرى، لا شعب لبنان – ولا شعب إسرائيل – وأي من شعوب العالم.
ولنكن صرحاء:
لا شيء يمكن أن يبرر الأعمال الإرهابية البغيضة التي ارتكبتها حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، أو أخذ الرهائن - وقد أدنتُ ذلك مرارًا وتكرارًا.
ولا شيء يمكن أن يبرر العقاب الجماعي الذي يُمارَسُ على الشعب الفلسطيني.
إن وتيرة وحجم القتل والتدمير في غزة لا يشبهان أي شيء مر بنا خلال سنوات عملي أميناً عاماً للأمم المتحدة.
فقد قُتل أكثر من 200 من زملائنا، وكثير منهم قُتلوا مع أفراد أسرهم.
ومع ذلك، لا يتوقف نساء ورجال الأمم المتحدة عن العمل لإيصال المعونة الإنسانية.
وأنا أعلم أنكم تنضمون إليَّ في توجيه تحية خاصة للأونروا ولجميع العاملين في المجال الإنساني في غزة.
ويجب على المجتمع الدولي أن يحشد همته من أجل وقف فوري لإطلاق النار، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، والشروع في عملية لا رجوع عنها تفضي إلى حل الدولتين.
أما أولئك الذين يصرّون على تثبيط هذا الهدف بإقامة المزيد من المستوطنات، والتمادي في السطو على الأراضي، والإمعان في التحريض، فأنا أسألهم:
تُرى ما البديل؟
كيف يمكن للعالم أن يقبل بمستقبل توجد فيه دولة واحدة يكون فيها عدد كبير من الفلسطينيين بدون حرية أو حقوق أو كرامة؟
وأما في السودان، فقد أدى صراع مرير على السلطة إلى اندلاع أعمال عنف مروعة - مورِس فيها الاغتصاب والاعتداءات الجنسية على نطاق واسع.
وثمة كارثة إنسانية تتلاحق أطوارها أمام أعيننا. ومع ذلك تواصل القوى الخارجية التدخُّل دون أن يكون ثمة نهج موحَّد يبتغي السلام.
وفي منطقة الساحل، يتطلب التوسع الهائل والسريع للتهديد الإرهابي نهجًا جماعياً أساسُه التضامن، لكن التعاون الإقليمي والدولي معطَّل.
وسواء في ميانمار أو جمهورية الكونغو الديمقراطية أو هايتي أو اليمن، أو في غيرها، ما زلنا نشهد مستويات مروعة من العنف والمعاناة الإنسانية في ظل فشل مزمن في إيجاد الحلول.
وفي الوقت نفسه، بعثاتنا لحفظ السلام تعمل في كثير من الأحيان في مناطق هي بكل بساطة لا سلام فيها حتى تَحفظه.
إن عدم الاستقرار في العديد من مناطق العالم إنما هو إفراز لعدم الاستقرار في موازين القوى والانقسامات الجيوسياسية.
والحرب الباردة، رغم ما كان لها من مخاطر، كان لها قواعد.
فقد كانت هناك خطوط ساخنة وخطوط حمراء وضوابط.
ويبدو أننا اليوم لم نعد نملك من ذلك شيئا.
ولسنا أيضا في عالم أحادي القطب.
فنحن نتجه إلى عالم متعدد الأقطاب، ولكننا لم نصل إلى هناك بعد.
إذ نوجد من القطبية في منزلة بين المنزلتين.
وفي ظل هذا الغموض، يتزايد عدد الدول التي تملأ الفراغات التي تخلفها الانقسامات الجيوسياسية وتفعل ما تشاء دون مساءلة.
لذلك يتعيّن اليوم وأكثر من أي وقت مضى تجديد التأكيد على التمسك بالميثاق واحترام القانون الدولي وتأييد قرارات المحاكم الدولية وتنفيذها، وتعزيز حقوق الإنسان في العالم أجمع.
في أي مكان وفي كل مكان.
أصحاب المعالي والسعادة، حضرات السيدات والسادة،
إن استفحال عدم المساواة هو العامل الثاني للوضع الذي لا يمكن تحمُّله، كما أنه وصمة على جبين ضميرنا الجماعي.
وعدم المساواة ليست مشكلة تقنية أو بيروقراطية.
بل هي في جوهرها مسألة نفوذ ذات جذور تاريخية.
وتتداخل النزاعات والاضطرابات المناخية وأزمة غلاء المعيشة لتدفع بهذه الجذور إلى أعمق مما هي عليه.
وفي الوقت نفسه، لم يتعاف العالم من الطفرة التي أحدثتها الجائحة في أوجه عدم المساواة.
وإذا نظرنا إلى أفقر 75 بلداً في العالم، نجد أن ثلثها يوجد اليوم في حالة أسوأ مما كان عليه قبل خمس سنوات.
وفي الفترة نفسها، زادت ثروات أغنى خمسة رجال في العالم بأكثر من الضعف.
وتمتلك شريحة الواحد في المائة من أغنى الأثرياء على وجه الأرض 43 في المائة من جميع الأصول المالية في العالم.
وعلى المستوى الوطني، تزيد بعض الحكومات من أوجه عدم المساواة من خلال توزيع هبات ضريبية ضخمة على الشركات وأصحاب الثروات الفاحشة، على حساب الاستثمار في الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.
ولا أحد يتضرر أكثر مما تتضرر النساء والفتيات في العالم.
أصحاب المعالي والسعادة،
إن التمييز والإساءة على أساس نوع الجنس هي أكثر أشكال عدم المساواة انتشارًا في المجتمعات كافة.
ويبدو أننا نواجه في كل يوم المزيد من الحالات المقززة لقتل الإناث والعنف الجنساني والاغتصاب الجماعي، سواء في وقت السلم أو باعتبار ذلك سلاحاً من أسلحة الحرب.
وفي بعض البلدان، تُستخدم القوانين لتهديد الصحة الإنجابية والحقوق الإنجابية.
وأما في أفغانستان، فتُستخدم القوانين لتكريس القمع المنهجي للنساء والفتيات.
ويؤسفني أن أرى، بعد سنوات من الكلام، أن عدم المساواة بين الجنسين لا تزال ماثلة أمام أعيننا، ويؤسفني أن أذكر هذا الأمر هنا، إذ إن عدم المساواة بين الجنسين ماثلة للعيان في قاعتنا هذه نفسها.
فالنساء يمثلن أقل من 10 في المائة من المتكلمين خلال المناقشة العامة لهذا الأسبوع.
هذا أمر غير مقبول - خاصة ونحن نعلم أن المساواة بين الجنسين تساهم في السلام والتنمية المستدامة والعمل المناخي وأكثر من ذلك.
ولهذا السبب بالتحديد اتخذنا تدابير محددة الأهداف لتحقيق التكافؤ بين الجنسين في صفوف القيادة العليا للأمم المتحدة، وهو هدف تحقق بالفعل.
إنه هدف ممكن التحقق.
وأنا أدعو المؤسسات السياسية والاقتصادية التي يهيمن عليها الذكور في مختلف أنحاء العالم إلى أن تقوم بالشيء نفسه هي أيضا.
أصحاب المعالي والسعادة،
إن أوجه عدم المساواة العالمية جلية في مؤسساتنا العالمية نفسها، وتجد في هذه المؤسسات ما يعززها.
فمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كان تصوُّرُه مِن وضْعِ مَن انتصروا في الحرب العالمية الثانية.
وكان وقتَها معظم أفريقيا لا يزال تحت الهيمنة الاستعمارية.
وإلى يومنا هذا، لا تملك أفريقيا مقعدا دائما في أرفع مجلس في العالم يُعنى بالسلام.
وهذا وضع يجب أن يتغير.
وكذلك الأمر بالنسبة للهيكل المالي العالمي الذي مر 80 عاماً على إنشائه.
وأتوجّه هنا بالثناء إلى قادة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على ما اتخذوه من إجراءات مهمة.
غير أنه، ووفقا لما يشدد عليه ميثاق المستقبل، فإن معالجة أوجه عدم المساواة يتطلب التعجيل بإصلاح الهيكل المالي الدولي.
وقد شهد الاقتصاد العالمي على مدار العقود الثمانية الماضية ما شهد من نمو ومن تحوّلات.
ولم تواكب مؤسسات بريتون وودز ذلك الإيقاع.
إذ لم يعد بإمكانها أن توفر شبكة أمان عالمية - أو أن تزود البلدان النامية بالمستوى الذي تحتاجه من الدعم.
فالمدفوعات من فوائد الدين في أشد بلدان العالم فقراً تكلِّف اليوم، في المتوسط، أكثر مما يُستثمَرُ في التعليم والصحة والبنى التحتية مجتمعة.
وعلى صعيد العالم، يوجد أكثر من 80 في المائة من أهداف التنمية المستدامة خارج المسار الصحيح نحو الإنجاز.
أصحاب المعالي والسعادة،
إن العودة إلى المسار الصحيح نحو الإنجاز يتطلب طفرة في تمويل خطة عام 2030 واتفاق باريس.
وهذا يعني أن تأخذ بلدان مجموعة العشرين بزمام المبادرة في تحفيز أهداف التنمية المستدامة بمبلغ 500 بليون دولار سنويًا.
ويعني القيام بإصلاحات من أجل الرفع من قدرة المصارف الإنمائية المتعددة الأطراف على الإقراض، وتمكينها من توسيع نطاق التمويل الطويل الأجل والميسّر التكلفة المخصص للمناخ والتنمية.
ويعني توسيع نطاق تمويل الطوارئ عن طريق إعادة تدوير حقوق السحب الخاصة.
كما يعني النهوض بإعادة هيكلة الديون الطويلة الأجل.
أصحاب المعالي والسعادة،
أنا لا أتوهّم الأوهام بخصوص العقبات التي تعترض إصلاح النظام المتعدد الأطراف.
فمَن يمتلكون النفوذ السياسي والاقتصادي - ومن يظنون أنهم يمتلكون ذلك النفوذ - يتلكؤون دائما ولا يريدون التغيير.
غير أن الوضع القائم آخذ في استنزاف نفوذهم بالفعل.
فمن دون الإصلاح، سيكون التشظي أمراً محتوماً، وستفقد المؤسسات العالمية من شرعيتها ومصداقيتها ومن فعاليتها.
أصحاب المعالي والسعادة،
إن العامل الثالث من عوامل الوضع الذي لا يمكن تحمّلُه في عالمنا هو عدم اليقين.
فالأرض تتحرك من تحت أقدامنا.
ومستويات القلق تجاوزت كل الحدود.
وفئة الشباب على وجه الخصوص تعوّل علينا وتتطلّع إلى الحلول.
وحالة عدم اليقين تستفحل من جراء تهديدين وجوديين: أزمة المناخ، وسرعة التطور التكنولوجي - ولا سيما تطوّر الذكاء الاصطناعي.
أصحاب المعالي والسعادة،
إننا في خضم انهيار مناخي.
ذلك أن درجات الحرارة القصوى والحرائق المستعرة وموجات الجفاف والفيضانات الكارثية ليست من الكوارث الطبيعية.
إنما هي كوارث بشرية لا يكف الوقود الأحفوري عن تغذيتها.
وما من بلد في منأى عن هذه الكوارث. غير أن أشد البلدان فقرًا وضعفًا هي الأكثرُ تضررًا.
فالمخاطر المناخية تُحدث فجوة في ميزانيات كثير من البلدان الأفريقية، حيث تكلِّف ما يصل إلى 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي كل عام.
وما هذه سوى البداية.
إذ نحن مقبلون على تجاوز السقف العالمي لارتفاع درجة الحرارة المحدد في 1,5 درجة.
ولكن بينما تتفاقم المشكلة، تتحسن الحلول.
فالطاقة المتجددة أسعارُها تتراجع، وانتشارها يتسارع، وحياة الناس تتغيّر بفضل الطاقة النظيفة المتاحة بتكلفة في المتناول.
ومصادر الطاقة المتجددة لا تولِّد الطاقةَ فحسب. بل توفِّر أيضا فرصَ العملِ وإنتاجِ الثروة، والأمنَ الطاقي، وتتيحُ لملايين الناس مَخرجاً من الفقر.
ولكن لا ينبغي أن تتعرض ثروات البلدان النامية للنهب في أثناء هذه المسيرة.
فقد أوصى فريقُنا المعني بالمعادن الحرجة باتباع نُهُج عادلة ومستدامة لتلبية الطلب العالمي على هذه الموارد اللازمة لثورة الطاقة المتجددة.
أصحاب المعالي والسعادة،
من المؤكد أنه سيأتي وقتٌ لا يكون فيه مكان للوقود الأحفوري. والذي ليس مؤكداً هو أن يكون الانتقال عادلاً وسريعاً.
والأمر بين أيديكم.
فبحلول العام المقبل، سيكون كل بلد مطالباً بأن يضع خطة عمل وطنية طموحة جديدة بشأن المناخ، أو ما يُعرَف بالمساهمات المحددة وطنياً.
ويجب أن تشكل هذه الخطط تقاطُعاً بين الاستراتيجياتِ الوطنية للطاقة وأولوياتِ التنمية المستدامة والطموحاتِ المناخية.
كما يجب أن تتماشى مع حد 1,5 درجة، وأن تشمل الاقتصاد بأكمله، وأن تسهم في كل هدف من أهداف التحول الطاقي المتفق عليها في المؤتمر الثامن والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28).
ويورد تقرير صادر اليوم عن الوكالة الدولية للطاقة تفاصيل تلك الأهداف.
فبحلول عام 2035، يجب أن تنخفض انبعاثات الطاقة، في المتوسط، بنسبة 80 في المائة في الاقتصادات المتقدمة؛ وبنسبة 65 في المائة في الأسواق الناشئة.
ومجموعة العشرين مسؤولة عن 80 في المائة من مجموع الانبعاثات.
ويجب على أعضائها أن يكونوا في طليعة الجهود- تمشياً مع مبدأ المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة وقدرات كل بلد في ضوء الظروف الوطنية المختلفة.
ولكن يجب أن يكون هذا العمل جهدًا مشتركًا تُحشَد له المواردُ والقدراتُ العلميةُ والتكنولوجياتُ التي ثَبتت جدواها والمقدورُ على تكلفتها حتى يتمكّن الجميع من بلوغ تلك الغايات.
ويشرفني أن أعمل عن كثب مع صاحب الفخامة لُولا، رئيسِ البرازيل - الذي يتولى رئاسة مجموعة العشرين ويستضيف الدورة الثلاثين لمؤتمر الأطراف - لضمان أقصى قدر من الطموح وسرعةِ الإنجاز والتعاون. وقد اجتمعنا للتو لهذا الغرض.
والتمويلُ عنصر أساسي.
فقد اقترب موعد الدورة 29 لمؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ (COP29).
ويجب أن يحدد المؤتمر هدفًا تمويلياً جديدًا بمستوى مرتفع.
ويلزم أيضا أن يكون صندوق الخسائر والأضرار في مستوى التحدي، ولذلك ينبغي للبلدان المتقدمة النمو أن تفي بوعودها فيما يتعلق بتمويل التكيف.
ويجب علينا في نهاية المطاف أن نصحح وضعا تغيب عنه الحكمة:
فنحن ما زلنا نكافئ الملوِّثين لتدمير كوكبنا.
حيث إن قطاع الوقود الأحفوري لا يزال يجني مبالغ ضخمة من الأرباح والإعانات، بينما يتحمل عامة الناس تكاليف الكارثة المناخية - من ارتفاع أقساط التأمين إلى فقدان سبل العيش.
وأنا أدعو بلدان مجموعة العشرين إلى تحويل وجهة الأموال من دعم الوقود الأحفوري والاستثمار فيه إلى الانتقال الطاقي العادل؛
وإلى ربط الكربون بكلفة فعلية؛
وإيجاد مصادر تمويل جديدة ومبتكرة – بما في ذلك فرض رسوم تضامنية على استخراج الوقود الأحفوري - وذلك من خلال آليات شفافة وملزمة قانونًا.
على أن يتحقق هذا كله بحلول العام المقبل، على أنه ينبغي لكل مَن فرّط أن يجد حسابه أمامه.
يجب على الملوِّثين أن يدفعوا ثمن تلويثهم.
أصحاب المعالي والسعادة،
إن السرعة التي تتطوّر بها التكنولوجيات الجديدة تشكل خطرًا وجوديًا آخر لا يمكن التنبؤ بمآلاته.
فالذكاء الاصطناعي سيُغيّر عمليا كل شيء نعرفه - من العمل والتعليم والتواصل إلى الثقافة والسياسة.
نحن نعلم أن الذكاء الاصطناعي يتطوّر بسرعة، ولكن إلى أين يأخذنا:
إلى مزيدٍ من الحرية، أم إلى مزيد من الصراع؟
إلى عالم أكثر استدامة، أم إلى عالم أكثر تفاوتاً؟
هل سيوسِّع من مداركنا، أم سيجعلُنا أطْوعَ ليُتلاعَب بنا؟
وقد هيمنت بالفعل حفنة من الشركات، وحتى من الأفراد أيضا، على قدرة هائلة على تطوير الذكاء الاصطناعي - دون مساءلة أو رقابة تُذكر حتى الآن.
والذكاء الاصطناعي، إذا لم يوجد نهج عالمي لإدارته، يمكن أن يؤدي إلى انقسامات مصطنعة في جميع المجالات - شرخٍ عظيمٍ يصبح فيه الإنترنت شبكتين والسوق سوقين والاقتصاد اقتصادين - فيجد كل بلد نفسه مجبرا على اختيار جانب دون آخر، الأمر الذي سيؤدي إلى تداعيات وخيمة على البشرية جمعاء.
والأمم المتحدة هي المحفل العالمي للحوار وتوافق الآراء.
وهي في وضع فريد يمكِّنها من تعزيز التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي - استنادًا إلى قيم الميثاق والقانون الدولي.
ففي هذا المحفل تحدث المباحثات العالمية لا في غيره.
وأنا أرحب بأولى الخطوات المهمة في هذا الصدد.
حيث إن قرارين في الجمعية العامة، والتعاهد الرقمي العالمي، وتوصيات الهيئة الرفيعة المستوى المعنية بالذكاء الاصطناعي، يمكن أن تهيئ الأسس لحوكمة متكاملة للذكاء الاصطناعي.
فلنعمل معا لنجعل من الذكاء الاصطناعي قوة في خدمة الخير.
أصحاب المعالي والسعادة،
لا شيء يدوم إلى الأبد.
ولكن من سمات الحياة البشرية أنها تبدو وكأنها تشذّ عن هذه القاعدة.
فالنظام القائم يبدو دائما وكأنه جامد على حاله.
إلى أن يأتي يوم يثبت عكس ذلك.
فعلى امتداد تاريخ البشرية، صعدت إمبراطوريات وسقطت، وتداعى للتهاوي ما كان يُعد من اليقينيات، وحدثت تحولات جذرية في الشؤون العالمية.
ونحن اليوم نوجد على مسار لا يمكن تحمله.
ومن مصلحتنا جميعًا أن ندير التحولات العميقة الجارية؛ وأن نختار المستقبل الذي نريد ونوجِّه بَوصلة عالمنا نحو ذاك المستقبل.
كثرٌ هُم من قالوا إن الاختلافات والانقسامات اليوم أكبر مما يُطاق.
وإنه يستحيل أن نجتمع معًا من أجل المصلحة المشتركة.
ولكنكم أعطيتم الدليل على خلاف ذلك.
فقد أثبت مؤتمر القمة المعني بالمستقبل أننا لمّا نتحلى بروح الحوار والتوافق يكون بمقدورنا أن نوحد قوانا لنضع عالمنا على مسار أكثر استدامة.
والمؤتمر ليس غاية في حد ذاته.
إنه بدايةُ رحلة، وبوصلةٌ في العاصفة.
فلنواصل المسير.
ولنعمل على جعل عالمنا مكانا يضعُف فيه الإفلات من العقاب وتتقوّى فيه المساءلة... تتراجع فيه مظاهر التفاوت ويتعاظم فيه شأن العدل ... يضمحل منه عدم اليقين ويتسع فيه نطاق الفرص.
إن شعوب العالم تتطلع إلينا - وإن الأجيال المقبلة ستذكرنا.
فلنعمل لكي تجدنا هذه الشعوب والأجيال في صف ميثاق الأمم المتحدة ... متمسّكين بقيَمنا ومبادئنا المشتركة ... واقفين على الجانب الصحيح من التاريخ.
ولكم مني خالص الشكر.