الأمين العام
--
كلمة في قمة جامعة الدول العربية
المنامة، البحرين، 16 أيار/مايو 2024
السلام عليكم.
صاحب الجلالة حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البحرين، أشكركم على دعوتكم الكريمة وكرم ضيافتكم.
أصحاب الجلالة والسمو الملكي والفخامة والسعادة، معالي الأمين العام السيد أبو الغيط،
لقد وُلدتُ في لشبونة - وهي مدينة كانت جزءا من الأندلس لقرون.
وفي ذلك الوقت كانت قرطبة مركز الثقافة والحضارة في شبه الجزيرة الأيبيرية، مثلما كانت بغداد مركز الثقافة والحضارة في العالم - وكانت آثارها ممتدة من حدود الصين إلى سواحل المحيط الأطلسي.
وقد تحرّكت عجلة التاريخ. وعدة تحولات -- في الميادين الثقافية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والعسكرية – غيرت العالم على حساب الشعب العربي.
واستُعمرت غالبية البلدان العربية.
ولم يأت التحرّر إلا بعد عقود من النضال - وبعد حروب دموية في بعض الحالات، وحقب طويلة من الاستغلال في كثير منها - وبعد إرث خلّفه الاستعمار في شكل خطوط رُسمت على الرمل كحدود تعسّفية تفصل بين البلدان.
بيد أن العالم اليوم يتغيّر من جديد، وإنني أرى في المنطقة العربية إمكانات هائلة.
فلديكم الموارد. ولديكم الثقافة. ولديكم البشر.
ولكن ثمة شرطٌ أساسي وحيد للنجاح في عالم اليوم، ألا وهو الاتحاد.
لقد أظهر التاريخ مرارا وتكرارا أن الانقسامات تفسح المجال لتدخل أطراف خارجية - مما يغذّي الصراعات ويؤجج التوترات الطائفية، ومن ثم يشعل فتيل الإرهاب ولو بغير قصد.
وهذه عقبات تحول دون تحقيق التنمية السلمية وتعيقكم عن ضمان رفاه شعوبكم.
ويتطلب التغلب على هذه العقبات كسر الحلقة المفرغة من الانقسام وتلاعب الأطراف الأجنبية - ويتطلب المضي قدما معاً لبناء مستقبل أكثر سلما وازدهارا لشعوب المنطقة العربية وخارجها.
أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والسعادة،
إننا نجتمع هنا وقلوبنا تنفطر لما يحدث للفلسطينيين في غزة.
إن الحرب في غزة جرحٌ مفتوحٌ قد يتسبب بعدوى في جسد المنطقة بأسرها.
وهذا النزاع، بمعدّله وحجمه هذين، هو الأكثر فتكاً من بين كل ما شهدتُه من نزاعات كأمين عام – بالنسبة للمدنيين وعمال الإغاثة والصحفيين وزملائنا في الأمم المتحدة.
وبطبيعة الحال، لا يمكن تبرير الهجمات الإرهابية الشنعاء التي نفّذتها حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وإنني أكرّر الدعوة إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن.
ولا يمكن كذلك تبرير العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني.
بيد أن الخسائر في صفوف المدنيين لا تزال تتصاعد.
وقد امّحت عائلات بأسرها عن بكرة أبيها. وأصيب الأطفال بصدمات نفسية ولحق بهم أذى سيلازمهم مدى الحياة. ويُحرم الناس من أبسط المقومات الأساسية للبقاء. وثمة مجاعة تلوح في الأفق.
لا يمكن قبول أي هجوم على رفح. إذ من شأنه إحداث موجة أخرى من الألم والبؤس بينما نحن في حاجة إلى موجة من المساعدات المنقذة للأرواح.
لقد حان الوقت لإعلان وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع أنحاء غزة.
ولا تزال الأونروا هي العمود الفقري لعملياتنا في غزة وشريان الحياة للاجئي فلسطين في مختلف أرجاء المنطقة. وهي بحاجة إلى الدعم والتمويل الكاملين.
وإنني منزعج بشدة لما يحدث من توترات في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، حيث تُشهد طفرات في إقامة المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، وعنف المستوطنين، والاستخدام المفرط للقوة من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي، وعمليات الهدم والإخلاء.
وما من وسيلة دائمة لإنهاء مسلسل العنف والاضطرابات سوى الحل القائم على وجود دولتين، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن، مع القدس عاصمة لكلتا الدولتين.
ويجب الحفاظ على الطابع الديمغرافي والتاريخي للقدس، ويجب الحفاظ على الوضع الراهن في الأماكن المقدّسة، تماشيا مع الدور الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية.
أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والسعادة،
أودّ أن أتطرق إلى السودان، حيث جعلت الحرب المدمّرة نصف سكان البلد في حالة سقوط حرّ على مستوى الوضع الإنساني. فبعد مرور عام، قُتل آلاف الأشخاص وبات خطر المجاعة المفجع يحدق بـ 18 مليون شخص.
وإنني أحث المجتمع الدولي على تكثيف جهوده من أجل إحلال السلام، وأدعو الأطراف المتحاربة إلى الاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار.
وينبغي أن يُتْبَع ذلك بعملية سياسية تشمل المجموعات النسائية والشبابية.
وإنني أتعهد بأن تقدّم الأمم المتحدة دعمها الكامل لهذا المسعى.
ويجب علينا أيضا حماية العملية السياسية الهشّة في كل من ليبيا واليمن.
وإنني كنت شاهدا، إبّان خدمتي كمفوض سام لشؤون اللاجئين، على ما يتّسم به الشعب السوري من كرم عظيم. ويؤلمني أن أرى وضع سوريا الآن مع كل هذه المعاناة، ومع بقاء أجزاء كاملة من أراضيها محتلة، حيث تتدخل أطراف فاعلة خارجية متعددة.
وإنني أدعو جميع السوريين إلى العمل معا بروح تصالحية، وإلى الاحتفاء بالتنوع الثري للشعب السوري واحترام حقوق الإنسان الواجبة للناس كافة.
أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والسعادة،
إننا نواجه أزمات عالمية طاحنة أخرى.
فهناك حالة الطوارئ المناخية؛ وتزايد اللامساواة والفقر والجوع؛ ومستويات المديونية التي تقسم الظهر؛ والتكنولوجيات الجديدة - بما في ذلك الذكاء الاصطناعي - التي تعجز ضوابط الحوكمة وضمانات الحماية عن مواكبتها.
إننا بحاجة إلى إصلاحات عميقة للنظام العالمي متعدد الأطراف - من مجلس الأمن إلى الهيكل المالي الدولي - لكي يصبح عالمي الطابع بحق ويكون ممثلا للواقع المعاش في هذا العصر.
ويمثل مؤتمر القمة المعني بالمستقبل، الذي سيُعقد في أيلول/سبتمبر، فرصة ثمينة لتوليد زخم نحو إقامة نظام لتعددية الأطراف يكون أكثر اتساما بالترابط الشبكي والشمول.
وإنني أتطلع قدما إلى الترحيب بكم في مؤتمر القمة في نيويورك في أيلول/سبتمبر.
أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والسعادة،
ما من وقت أفضل من هذه اللحظة لكي تقف المنطقة العربية صفّا واحدا.
فمن شأن الاتحاد والتضامن على كامل نطاق العالم العربي إسماع صوت منطقتكم ذات الأهمية الحيوية بمزيد من القوة، وتعزيز تأثيركم على الساحة العالمية.
ويمكن بذلك مساعدة هذه المنطقة على الاهتداء إلى سبيل السلام، وتعظيم الاستفادة من إمكاناتها الهائلة، والمساهمة بشكل أكبر في تحقيق ما فيه الخير للعالم.
وفي كل هذا العمل، يمكنكم التعويل على الأمم المتحدة، وعليّ أنا شخصيا، لمدّكم بالدعم والشراكة.
شكراً.