حدائق الأسطح في البحرين توفر فرصًا لزيادة المساحات الخضراء في المناطق الحضرية الكثيفة
تعتبر الزراعة على الأسطح حلاً مبتكرًا لدمج المساحات الخضراء في المناطق الحضرية والسكنية ذات المساحات المحدودة في البحرين.
عندما سمعت إيمان شاكر للمرّة الأولى عن الزّراعة على الأسطح، كانت تعاني من ضيق المساحة أمام منزلها وتعرض نباتاتها لأشعّة الشّمس بشكل محدود.
ولم تكن لدى شاكر، وهي أخصائية علاج طبيعي متقاعدة، خبرة كبيرة في الزراعة قبل أن تتقاعد مبكراً لرعاية أطفالها الخمسة، وتبدأ أعمال البستنة في فناء منزلها الأمامي منذ ثلاث سنوات.
وقالت شاكر: "في البداية، اعتقدت أن الأمر سيكون صعباً وسيتطلب الكثير من الجهد لنقل النباتات والتربة وجميع المعدات الضرورية للزراعة إلى السطح، ولكن بمجرد أن بدأت، أصبح الأمر أسهل حتى ملأت سطح منزلي شيئا فشيئا".
وبالمثل، بدأ أحمد الحايكي، وهو أخصائي تسويق ومبيعات، بزراعة شتلة فلفل على سطح منزله لأنه لا يملك مساحة خارج المنزل.
وأوضح الحايكي: "كان من الغريب بالنسبة لي أن أتمكن من زراعة الفلفل. بدأت في إجراء المزيد من الأبحاث، وسؤال الآخرين، ومشاهدة مقاطع الفيديو على اليوتيوب، لمعرفة المزيد عن الزراعة على الأسطح. بينما كان الكثير من الناس يشعرون بالملل في المنزل أثناء حظر الخروج بسبب فيروس كورونا، كنت حريصًا على استغلال وقت فراغي لتطوير معرفتي في مجال الزراعة على الأسطح".
ووصف شاكر والحايكي أسطح منازلهما بـ”المساحة الميتة” التي لا يوجد لها أي غرض قبل استغلالها للزراعة.
وتضيف شاكر: "عندما بنينا منزلنا، لم نخطط لاستخدام السطح في أي شيء وكانت ضواغط أجهزة تكييف الهواء متناثرة على السطح، لذلك عندما بدأت في الزراعة، اضطررت إلى تحريكها لتجنب أن تضر حرارتها بالنباتات. أنا أشجع بشدة أن يضع أولئك الذين ينتقلون إلى منازل جديدة ذلك في الاعتبار عند وضعهم للضواغط على الأسطح في حال أرادوا الزراعة على السطح في المستقبل".
قام برنامج الأمم المتّحدة للمستوطنات البشريّة (موئل الأمم المتّحدة) ومنظّمة الأمم المتّحدة للأغذية والزّراعة (الفاو)، بالتّعاون مع وزارة شؤون البلديّات والزّراعة البحرينية والمبادرة الوطنيّة للتّنمية الزّراعية في البحرين، بإجراء استطلاع وجد أنّ غالبيّة المستجيبين الذين يزرعون في منازلهم يقومون بذلك من أجل تخضير وتجميل المساحة وأيضًا من على سبيل الهواية. وتبيّن أنّ أربعون في المائة من المستجيبين، والكثير منهم يحبّون الزّراعة، يستخدمون أسطح منازلهم. وقالت شاكر إنّ"معظم المنازل اليوم صغيرة ولا تحتوي على حدائق، بينما أسطح المنازل فارغة وبلا حياة. لماذا؟ دعونا نستفيد من هذه المساحة ونجمّلها!".
وقال الحايكي إن الناس لم يتقبلوا الفكرة في البداية: “في البداية اعتقد الناس أنها فكرة غريبة وتسائلوا: كيف ستزرع وتنتج على السطح؟ أما الآن، فإن هؤلاء الأشخاص يتابعون بفارغ الصبر إنتاج كل موسم".
وتشير شاكر إلى أن حماس أطفالها للمساعدة في حديقتها وتناول الخضار والفواكه وقضاء الوقت على السطح زاد بشكل ملحوظ منذ أن بدأت بالزراعة على السطح.
"زرعت نوعا من الطماطم اسمها مريم واسم بنتي مريم. إنها لا تحب أكل الطماطم ولكنها تذهب لتفقدها كل يوم لمعرفة ما إذا كانت قد نمت أو إذا تغير لونها وتحدثني. لقد أصبحت متحمسة للغاية!".
وأضافت أن البستنة كانت أيضًا بمثابة "علاج نفسي" لابنها محمد، البالغ من العمر 18 عامًا، والمصاب بسمات بسيطة من اضطراب طيف التوحد، بعد أن بدأ في الزراعة معها على السطح.
في حين أن الزراعة على السطح بدأت كمشروع خاص بها، فقد أصبحت متنفسًا لعائلتها بأكملها. يزرع زوجها معها، ويساعدها أطفالها في العناية بالنباتات، ويقوم والدها ببعض الأعمال الخشبية على الحائط حتى تتمكن من تزيينه وزراعة الزهور عليه.
روح الجماعة
يمتدّ هذا الشعور المتزايد بالانتماء لمجتمع مشترك من المزارعين الهواة إلى ما هو أبعد من منازلهم وعائلاتهم.
وقال الحايكي إنه بدأ من الصفر منذ ثلاث سنوات، وبدون أي خلفية في الزراعة، وتواصل مع المزارعين المحليين الآخرين: "لقد كانوا متعاونين للغاية وشاركوني النصائح المفيدة التي طبقتها على سطح منزلي. لقد أدهشني أن العديد منهم كانوا من النساء ولديهم خبرة واسعة".
وقال الحايكي وشاكر إنه خلال المواسم يتشارك المزارعون الهواة المحليين البذور و"الأصايص" فيما بينهم كما يتعاونون بأشكال مختلفة. قام الحايكي، الذي يهوى صناعة الأعمال الخشبية أيضاً، ببناء مقعد محاط بحوضين كبيرين للزراعة وإطارات خشبية لزراعة النباتات المتسلقة على سطح منزل شاكر.
ووجدت الدّراسة أنّ الزّراعة تصبح للكثيرين وسيلةً للتّواصل مع المجتمع، وإلهاما للآخرين لبدء حدائقهم بمساعدة المجتمع وللمساعدة في تعليم أطفالهم عن النّباتات. وعلّق أحد الأشخاص في الاستطلاع قائلًا: "إنّها تعزّز الرّوابط في مجتمعنا".
جعل البحرين خضراء
قالت فرناندا لوناردوني، رئيسة برنامج الأمم المتّحدة للمستوطنات البشريّة في البحرين إنّ "توفّر الزّراعة على الأسطح طريقة سريعة وسهلة لتحسين جودة الهواء وتقليل الحرارة الإجمالية مع توفير ملاذ أخضر لسكان المناطق الحضيّة في منازلهم أو مجتمعاتهم. إنّه حل حاسم لجلب الطّبيعة إلى المناطق الحضريّة الكثيفة حيث ينضب النّاس أكثر من المناطق الخضراء".
يعمل موئل الأمم المتّحدة ومنظّمة الأمم المتّحدة للأغذية والزّراعة (الفاو) مع وزارة شؤون البلديات والزراعة في البحرين، وبالتعاون مع المبادرة الوطنية للتنمية الزراعية، بهدف تعزيز التحول نحو أنظمة حضريّة أكثر استدامة وشمولية وقدرة على التكيف مع تغير المناخ. ويهدف المشروع إلى تعزيز الممارسات الزراعية المبتكرة بين الأسر ، بما في ذلك فتح مساحات للتشجير، ورفع الجودة البيئية للمساحات الخضراء، وإشراك المجتمعات في ممارسات التشجير.
وأضافت لوناردوني قائلةً: "تتمثل إحدى أولوياتنا الرئيسية مع منظمة الأغذية والزراعة في دعم خطة البحرين الوطنية للتشجير لزيادة المساحات الخضراء في النسيج الحضري للمملكة. ونأمل أن نستمرّ في التواصل مع المجتمع لتشجيع العادات الزراعية المستدامة التي تساهم في بناء مستقبل حضري أخضر ومستدام للمملكة".
كما أشار المهندس جعفر سامي التاجر مدير إدارة الإنتاج الزراعي المحلي، بوزارة شؤون البلديات والزراعة، بأن تقنية الزراعة فوق الأسطح وأستخدام المياه بشكل فعال من أهم الخطوات لترشيد المياه في الزراعة من خلال تحويل الأسطح الفارغة إلى حدائق عمودية أو حقول زراعية معلقة، مما يسمح بتوفير مساحات زراعية إضافية دون استهلاك كميات كبيرة من الماء، وتلعب شؤون الزراعة دوراً هام في تدريب فئات المجتمع على استخدام تقنيات الزراعة بدون تربة حيث تقوم بتوفير المعرفة والمهارات اللازمة لزراعة النباتات فوق الأسطح وتوفير المياه بشكل فعال. من خلال تعليم أفضل الممارسات وتقديم الدعم الفني. ومن خلال ذلك فإننا نعمل على نشر الوعي بأهمية ترشيد المياه وتعزيز استخدام التقنيات الحديثة لتحقيق زراعة مستدامة وفعالة في استهلاك المياه.