حوار مع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بتمويل خطة عام 2030 للتنمية المستدامة
هل ستغير التنمية المستدامة حياة الناس؟ هل العالم- وخاصة الدول العربية- على المسار الصحيح لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول 2030؟
كل هذه الأسئلة وأكثر طرحناها على الدكتور محمود محيي الدين المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بتمويل خطة عام 2030 للتنمية المستدامة.
شارك الدكتور محيي الدين في الحوار رفيع المستوى بشأن تمويل التنمية، الذي عقد على هامش الأسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة.
هدف الاجتماع إلى بحث توفير القيادة السياسية والتوجيه بشأن تنفيذ خطة عمل أديس أبابا لعام 2015، وهي إطار الأمم المتحدة لحشد الموارد لتحقيق أهـداف التنمية المستدامة.
كما شارك أيضا في قمة أهـداف التنمية المستدامة التي شهدت اعتماد إعلان سياسي أكد أن القضاء على الفقر بكل أشكاله- بما فيه الفقر المدقع- هو أكبر تحد دولي ومطلب لا غنى عنه لتحقيق التنمية المستدامة.
في بداية الحوار سألنا الدكتور محيي الدين عن أهمية هذا الإعلان السياسي وإمكانية أن يساعد الدول الأعضاء في المضي قدما نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بعد مضي نصف المدة المقررة لتحقيق هذه الأهداف بحلول 2030. فقال:
النصف الأول من المدة المقررة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة كان، ببساطة، تعيسا على العالم، نظرا إلى الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة، وما أعلنه الأمين العام نفسه خلال تقديمه لتقريره الخاص المعني بتقييم أداء العالم في التعامل مع أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر.
12 في المائة فقط من الدول هي على المسار الصحيح لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول 2030. وأكثر من 50 في المائة من الدول منحرفة عن المسار السليم، والوضع في 35 في المائة من البلدان أسوأ مما كان عليه عام 2015.
هناك ارتباط جذري بين التمويل وأهداف التنمية المستدامة. نحتاج تمويلا ضخما كي نتمكن من تحقيق هذه الأهداف. وقد تم تقدير هذا الرقم بحوالي 5.3 تريليون دولار- أي ضعف الرقم المخصص حاليا للأهداف التنموية. وهذا لا يتم إلا بالتعاون بين الجهات المحلية لتعبئة الموارد والاستثمارات من القطاع الخاص وأيضا مؤسسات التمويل الدولية.
أخبار الأمم المتحدة: ما وضع الدول العربية فيما يتعلق بتحقيق أهداف التنمية المستدامة؟ هل ترى أنها قادرة على تحقيق هذه الأهداف بحلول الموعد المحدد؟
محمود محيي الدين: يشير التقريران الصادران عن الإسكوا (لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن عددا من الدول تمكنت من تحقيق نقلات في الخدمات الأساسية ومداخيل الأفراد، وبالتالي فهي قد خطت خطوات بعيدا عن تحديات الفقر المدقع، وإن كان بعضها يحتاج إلى العمل بشكل أكبر فيما يتعلق بأبعاد العدالة بين الجنسين المتمثلة في الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة.
وكذلك الاستثمار أكثر وبشكل أفضل فيما يتعلق بالأهداف 13 و14 و15 المعنية بالتغير المناخي والتنوع البيولوجي والتعامل مع تهديدات الصحراء وتآكل الشواطئ.
لكن تبقى الدول العربية غير النفطية تعاني من مشاكل عديدة على صعيد الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي يسمح لها بجذب الاستثمارات من الخارج أو أن تولي اهتماما أفضل للاستثمار في البشر أو البنية الأساسية أو في الاستدامة عموما. هناك تفاوت بين الأقطار العربية فيما يتعلق بأهداف التنمية المستدامة، حيث حقق بعضها بعض النجاحات بينما هناك عدم توافق لدى البعض الآخر بشأن مسار تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
غالبية الدول العربية ليس لديها ما يعرف بـ الاستعراضات الوطنية الطوعية وهي التقارير التي تقدمها بعض الدول الأعضاء سنويا في الأمم المتحدة بشأن التقدم الذي حققته فيما يتعلق بأجندة التنمية المستدامة.
الكثير منها لديها رؤى ولكن هناك مشكلة في التنفيذ بسبب النقص في التمويل أو في البيانات أو التكنولوجيا المساندة.
© UNDP
أخبار الأمم المتحدة: العديد من الدول العربية تعاني إما من صراعات مطولة أو كوارث طبيعية. كيف تفاقم هذه الكوارث أوضاع الدول العربية فيما يتعلق بتحقيق أهداف التنمية المستدامة؟
محمود محيي الدين: هناك ما يسمي بالمربكات وهي إما صدمات مؤقتة يمكن التعامل معها أو احتواؤها مثل الجائحة التي استمرت عامين ثم تم احتواؤها بالأمصال والوقاية وغير ذلك من التدابير. ولكن عندما تكون هناك مآس إنسانية قابلة للتكرار فهذا أمر يحتاج إلى وقفة. التعرض للكوارث الطبيعية أمر وارد والتصدي لها أمر حتمي ويفترض أن يتم تحجيم المعاناة الناجمة.
تتعرض مناطق عديدة في العالم لكوارث طبيعية كبرى وخاصة الأعاصير وموجات التسونامي، في جنوب شرق آسيا على سبيل المثال، وما حدث في الفلبين قبل عدة سنوات كان مأساة مروعة، ولكن عندما تكررت عليهم هذه الكوارث أصبحوا أكثر استعدادا.
نظام الإنذار المبكر لن يكون جيدا إلا إذا كان شاملا لأنه مصمم لأن يكون نظام إنذار للعالم ولسكانه وليس لمجموعة على حساب أخرى
هناك دروس مستفادة بشأن أهمية تمتين الاقتصاد والمجتمع بالإنفاق الجيد على كل ما يساعد على التوخي من مثل هذه المخاطر. هناك علم وراء هذا العمل، وهناك نظم الإنذار المبكر. الأهم هو عدم الاكتفاء ببعض الإجراءات الشكلية ونظم الإنذار ولكن يجب التركيز على الناس المُنْذَرين. بمعنى أن تجعل المجتمع أكثر استعدادا للتعامل مع هذه المشكلات، وهناك خبرة موجودة في منظومة الأمم المتحدة، وهناك أقسام مدربة ومعنية بتخفيف الأعباء وتوابع الكوارث الطبيعية، ولكنها تحتاج إلى تمويل ضخم. هناك أيضا مسألة تدريب المجتمعات وتثقيفها للتعامل مع هذا الأمر وتدريبها على الإجراءات الاحترازية والأساليب الوقائية.
لدى الأمين العام مبادرة مهمة للتعامل مع الكوارث الطبيعية وتداعيات تغير المناخ وهو نظام الإنذار المبكر الشامل عالميا.
© UNICEF/Abdulsalam Alturki
أخبار الأمم المتحدة: دعا الأمين العام إلى توفير نظم الإنذار المبكر للناس في كل مكان. هل تعتقد أن هذا الأمر سيجد طريقه إلى النور؟
محمود محيي الدين: نعم أعلن الأمين العام هذا الأمر قبل 18 شهرا، ثم جدد الدعوة خلال قمة شرم الشيخ للمناخ، وكلف عدة جهات للقيام بهذا الأمر الذي هو مكلف ماليا وهناك دول تستطيع القيام به مثل الدول المتقدمة- الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وبعض الدول ذات الاقتصادات الناشئة. ولكن هناك تحديات تواجه الدول الأفريقية ودول جنوب شرق آسيا على سبيل المثال. هذا النظام لن يكون جيدا إلا إذا كان شاملا لأنه مصمم لأن يكون نظام إنذار للعالم ولسكانه وليس لمجموعة معينة على حساب مجموعة أخرى.
المهم ليس أن يكون الإنذار من خلال الطنين أو التحذير، ولكن أن تمنع حاجة اللجوء إليه من خلال الاستثمارات، وهذا يرجعنا مرة أخرى إلى أهمية التمويل.
أخبار الأمم المتحدة: إذا افترضنا أن مواطنا عربيا في منطقة ما في الوطن العربي يتابع هذه القمم المعنية بأهداف التنمية المستدامة ويسمع أن هذه الأهداف ستغير مستقبل البشرية في التعليم والصحة والمناخ، ماذا تقول له؟
محمود محيي الدين: نُشرت لي مقالة في عدة صحف تحت عنوان سؤالك هذا. وكانت المقالة بعنوان: "قمم الأمم وأحوال عموم الناس". يتابع الناس قادة الدول والناشطين وقادة الأعمال ممن يأتون إلى مقر الأمم المتحدة من كل حدب وصوب لحضور قمم واجتماعات سنويا خلال شهر أيلول/سبتمبر. فما الذي تنتهي إليه هذه القمم؟ يخرج عن بعضها نتائج مهمة لتوجيه العمل داخل المؤسسات الدولية والمنظمات الأممية.
ولكن التقارير الأخيرة تشير إلى أن أحوال عموم الناس تفاقمت بسبب الجائحة والحرب في أوكرانيا. هناك معاناة بسبب تراجع مستويات المعيشة. يشير تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن أحوال الناس في البلدان الأقل دخلا- فيما يتعلق بمستويات المعيشة والخدمات المقدمة لهم وفرصهم في الالتحاق بسوق العمل- باتت أسوأ مما كانت عليه منذ بداية القرن وليس منذ بداية 2015 عندما تم إطلاق خطة التنمية المستدامة. لا يمكن الاستمرار على هذا النحو ولا يمكن أن نبرره أو نعلق خيباتنا على عوامل خارجية.
المديونيات الخارجية تلتهم أكثر مما هو مخصص للتعليم والرعاية الصحية
قبل الجائحة بنحو ستة أشهر، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة تقريرا أعلن فيه أننا لسنا على الطريق الصحيح فيما يتعلق بتحقيق أهداف التنمية المستدامة- بما في ذلك مؤشرات الفقر والعدالة والتعليم والرعاية الصحية. ثم بعد ذلك بشهور عانينا من جائحة كـوفيد-19.
هناك مشكلة المديونيات الخارجية التي تواجهها البلدان الأقل دخلا والتي يعاني نصفها من مشكلات سيئة مع المديونيات الخارجية. يشير تقرير صادر عن الأونكتاد إلى أن خدمة المديونيات الخارجية تلتهم أكثر مما هو مخصص للتعليم والرعاية الصحية وبعض الخدمات الأساسية.
إذن، نحن نطالب المجتمعات بما في ذلك البلدان النامية أن تقوم بعمل أكبر لإعادة وضع نفسها على المسار الصحيح مرة أخرى، ونطالب الناس بأن يعلموا أبناءهم وأن يوفروا لأهاليهم رعاية صحية أفضل، ولكن عندما تلتهم هذه الديون المخصصَ من ميزانيات الدولة للمساعدة في هذه المجالات فنحن نعقد الأمر.
هناك ورقة مهمة صدرت عن الأمم المتحدة هذا العام أفادت بأنه للتعامل مع مشكلة التمويل أولا، يجب منع الضرر وهو الدين وخدمته وثانيا، يجب أن نوفر تمويلا ميسرا، وثالثا يجب أن نبتكر في الأساليب التي تجمع آليات التمويل المختلفة. نحتاج أيضا إلى التكنولوجيا والبحث والتطوير لأن التكنولوجيا تيسر من حياة الناس وتخفض من التكلفة، وأخيرا نحتاج إلى نظام محفز للتعاون الدولي وخاصة في ظل التوترات الجيوسياسية والحرب في أوكرانيا والصراعات المختلفة.
أخبار الأمم المتحدة: إذا وصلنا إلى الموعد المحدد لتحقيق هذه الأهداف في عام 2030 ولم تتحقق هذه الأهداف فما الذي سيحدث؟
محمود محيي الدين: لا أريد أن استبق الأحداث، ولكن دعنا في هذا الطموح الذي استجد بأننا من الممكن أن نؤدي بشكل أفضل في الشوط الثاني من المباراة بعد الخيبة التي أصابتنا في الشوط الأول. ولكن إذا لم يحدث ما نصبو إليه ونطمح له سيكون هناك ما يعرف بـ ما بعد أهداف 2030 على غرار ما حدث مع الأهداف الإنمائية. إذا تحدثنا عن الأهداف الإنمائية فإن الذي أنقذ العالم هو أن تلك الأهداف كانت أقل طموحا وكان عددها 8 فقط وليس 17 هدفا وكانت طموحاتها مبنية على الكم وليس النوع، مثلا في التعليم كانت تتحدث عن الكم وليس النوع، وفي الصحة كان الحديث عن عدد الأسرة وليس نوعية الخدمة الصحية.
دول الشمال (الدول الغنية) لم تكن مستهدفة من خلال أهداف الألفية ولكن أهداف التنمية المستدامة تستهدف كل دول العالم، وبالتالي فالتحديات أكبر في الوصول إليها.
خطورة الأمر تكمن في أن التراجع في أهداف التنمية المستدامة تنطوي عليه مشاكل كبيرة متعلقة بالاستقرار السياسي والاقتصادي. كذلك هناك مشاكل تتعلق بالهجرة الاضطرارية. علينا التعلم من دروس السنوات السبع الماضية حتى نستطيع أن نستبشر خيرا بالأعوام القادمة.