الاستثمار في المرأة من قضايا حقوق الإنسان
يُعتبر الاستثمار في المرأة ضرورة اقتصادية وقضيّة حقوق الإنسان أيضًا
الاستثمار في المرأة من قضايا حقوق الإنسان
23 فبراير 2024
يُعتبر الاستثمار في المرأة ضرورة اقتصادية وقضيّة حقوق الإنسان أيضًا، ويشكّل مسألة حقوق الإنسان لأنّ النّظم الاقتصادية والماليّة العالميّة تتواطأ في إدامة التّمييز بين الجنسين. وفي الوقت عينه، فإنّ الموارد الماليّة ضروريّة لتجاوز هذه التّحديات ولبناء عالم يمكّن كافّة النّساء من ممارسة حقوقهنّ. حيث يعزّز الاستثمار في المرأة ازدهارها، ممّا يساهم في الازدهار الذي يمكن أن يُقاس من الناحية الماليّة.
النّظم الاقتصادية والماليّة الحاليّة لا تساهم في تعزيز المساواة بين الجنسين
يسعى العالم إلى تحقيق النّمو على حساب صحّة ورفاهيّة النّاس والكوكب. ويعزي النّظام المالي الحالي إلى الرّبح، وقد يأتي ذلك على حساب المرأة عندما لا تتوافق مصالح المستثمرين مع احتياجات المرأة وأولويّاتها. وينتج تغير المناخ عن الاستهلاك غير المحدود للوقود الأحفوري بغضّ النّظر عن تكاليفه الاجتماعيّة والبيئيّة. وتكمن في قلب أزمة المناخ الآثار غير المتناسبة على النساء والفتيات الأكثر عرضة للعواقب السلبيّة لتغيّر المناخ.
وتكوّن الأسواق والمؤسّسات المترابطة عالميًّا تجارب المرأة وفرصها بطرق لا تُعتبر دائمًا منصفة. فعلى سبيل المثال، تقوم المرأة في نهاية المطاف بالمزيد من أعمال الرّعاية والعمل المنزلي غير مدفوعة الأجر، بسبب الأعراف والمواقف الأبويّة تجاه المرأة في عالم العمل، ممّا يحدّ من قدرتها الاقتصاديّة واستقلاليتها ورفاهها. وتقوم المرأة بأعمال الرّعاية غير مدفوعة الأجر أكثر من الرجال بثلاثة أضعاف، لكنّ القيمة الاقتصاديّة لا تحسب لأنّها غير مرئيّة في تدابير مثل النّاتج المحلّي الإجمالي. وتأتي حصّة غير متناسبة من هذا العمل من النّساء المنتمئات للفئات ذات الدّخل المنخفض والنساء المهاجرات والمنتمئات لمجموعات عرقية بعينها، ممّا يظهر مواجهة النّساء للتّمييز بسبب عوامل مثل الجنس والعرق والإعاقة والجنسيّة.
وتتمتّع المرأة بـ64 في المئة من الحقوق القانونيّة التي تتمتع بها الرّجال، فتكبح اللّامساواة العميقة الجذور فرص المرأة على الصّعيد الاقتصاديّ. ولا يزال تمثيل المرأة زائدًا في الوظائف والقطاعات الأدنى أجرًا وناقصًا حيث تزداد إمكانيّة الكسب. ويشكّل ذلك عاملًا واحدًا فقط في تعزيز التّباينات في الدّخل بين المرأة والرّجل. وينتمي أكثر من نصف النّساء العاملات إلى الاقتصاد غير الرّسمي، الذي غالبًا ما يكون غير مستقرّ وضعيف، وتنتمي حصّة أكبر من النّساء إلى الاقتصاد غير الرّسمي في الدّول النّامية وتبلغ حصّتها حوالي 90 في المئة. أمّا على الصّعيد العالمي، فتكسب المرأة في القوة العاملة المدفوعة الأجر 20 في المئة أقلّ من الرجل في المتوسّط، ويرتفع هذا التباين إلى 35 في المئة في بعض الدّول. كما أنّ عدم المساواة في عالم الأعمال مدهشة. على سبيل المثال، تستمرّ الفجوة في الأجور بين الجنسين في تأثيرها على عدد الشّركات المنشأة (وتبلغ 32 في المئة) وعلى الشّركات التي تحاول أن تنشأ (ويبلغ 20 في المئة). ويتراكم عدم المساواة في الفرص الاقتصادية عبر الأجيال، ممّا يحبس المرأة في براثن الفقر ويمنعها من الاستفادة من النّمو الاقتصادي بشكلٍ متساوٍ.
لا بدّ من توفير الموارد الماليّة لتتمتّع المرأة بحقوقها
على الرّغم من التّحديات التي تواججها المرأة بسبب النّظام المالي، فإنّ الحدّ من عدم المساواة بين الجنسين يتطلّب توفير الموارد الماليّة. وتبيّن أنّ العجز السنوي المتوقّع للمبلغ اللازم لتحقيق أهداف المساواة بين الجنسين يبلغ 360 مليار دولار أمريكي. وتظهر الأدلّة أنّ أكثر من 342.2 مليون امرأة وفتاة ما زلن يعشن في فقر مدقع بحلول عام 2030، وفقًا لمعدّل التقدّم الحالي.
وتُعتبر الحماية الاجتماعية من أهمّ الاستثمارات في مجال المساواة بين الجنسين، التي تعتبر بالغة الأهمّية للحدّ من الفقر والهشاشة. غير أنّ فقط 26.5 في المئة منّ النساء تغطّيهن نظم شاملة للحماية الاجتماعيّة.
وبالإضافة إلى الموارد الماليّة، تحتاج المرأة إلى الحصول على الأراضي والمعلومات والتّكنولوجيا والموارد الطبيعيّة. في عام 2022، لا يزال 2.7 مليار شخص يفتقرون إلى الوصول إلى الإنترنت، ما يمثّل عائقًا رئيسيًّا أمام قدرتهم على الحصول على وظيفة أو على تأسيس شركة. وتبيّن أنّ النساء أقلّ احتمالًا من الرّجال لامتلاك أو تأمين حقوق حيازة الأراضي الزّراعية في 87 في المئة من البلدان التي تتوافر فيها البيانات.
النّساء النّاجحات تعزّزن ازدهار الاقتصاد
لا يتطلّب تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة دراسةً جدوى لأنّ حقوق الإنسان لا تقدر بثمن. ومع ذلك، نحن نعلم أنّ المرأة تساهم في الاقتصاد بشكل مباشر من خلال المشاركة في الأنشطة الاقتصاديّة بما في ذلك العمل الرسمي وريادة الأعمال، وبشكل غير مباشر من خلال المساهمات الأخرى بما في ذلك الحصول على حصّة غير متناسبة من أعمال الرّعاية غير المدفوعة الأجر. وتبيّن الأدلة أنّ سدّ الفجوات بين الجنسين يمكن أن يعزّز نصيب الفرد من النّاتج المحلي الإجمالي بنسبة 20 في المئة.
قد يُعتبر الاستثمار في المرأة فرصة. وتشير الّتقديرات إلى أنّ سدّ التّفاوتات القائمة في خدمات الرّعاية وتوسيع نطاق العمل اللّائق قد يخلق ما يقرب من 300 مليون وظيفة بحلول عام 2035. وتظهر الدّراسات أيضًا أنّ الاستثمار في قطاع الرّعاية يمكن أن يخلق ما يقرب من ثلاثة أضعاف عدد الوظائف التي يوفرّها نفس الاستثمار في البناء وينتج عنه انبعاثات أقلّ من غازات الدّفيئة بنسبة 30 في المئة. كما ستوفّر الاستثمارات في الرّعاية الوقت الذي تحتاج إليه للمرأة للمشاركة في الأنشطة التي تختارها بما في ذلك الأنشطة الاقتصاديّة أو التّعليم أو التّرفيه. وعلى الرغم من تلك الفوائد الواضحة، لا تزال المرأة مهملة في الاقتصاد بالنّسبة للرّجل.
إنّ الاعتراف بحقوق المرأة كقضيّة استثماريّة أمرٌ بالغ الأهمّية لإيجاد حلول تحويليّة تمكّن المرأة من التمتّع بحقوقها، والهروب من حلقة الفقر، والازدهار حقًّا. الاستثمار في المرأة هو الرّكن الأساسي لبناء مجتمعات شاملة. فالتّقدّم من أجل المرأة يفيدنا جميعًا.