الأمم المتحدة على خط المواجهة في مكافحة خطاب الكراهية
١٨ يونيو ٢٠٢٣
كتب: أحمد بن الأسود
مدير مركز الأمم المتحدة للإعلام لبلدان الخليج بالمنامة
يصادف هذا العام الذكرى السنوية الخامسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. هذه فرصة للتذكير بأن أسوأ الفظائع الجماعية في التاريخ كان يغذيها، في كثير من الأحيان، خطاب الكراهية تجاه مجموعة من السكان، بما في ذلك الفئات الضعيفة، مما كان يعزَز التمييز والوصم والتهميش. إضافةً إلى ذلك، يجب أن نتذكر دائمًا أن هذه الجرائم المروعة لم تكن حتمية. لسوء الحظ ، في كثير من الأحيان، لم يتم سماع المناشدات اليائسة للضحايا، وذلك جزئيًا لأنه تم تجريدهم من الإنسانية نتيجة لخطاب الكراهية.
إن تذكُّر الماضي أمر بالغ الأهمية من أجل حماية المستقبل، وهو أمر مهم جداً اليوم تحديدا حيث يشهد العالم عودة مقلقة لمظاهر كراهية الأجانب والعنصرية والوصم والتعصب بشكل عام. الأمر الأكثر إثارةً للقلق هو أن تقنيات الاتصال الجديدة قد جعلت تأثير الكراهية أكثر تدميراً من أي وقت مضى، حيث يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تنشر خطاب الكراهية كالنار في الهشيم، وتعمل على تقسيم الناس وتهديد السلام العالمي. ولا يوجد مجتمع أو بلد أو منطقة في العالم في مأمن من لاعقلانية الكراهية، بما في ذلك في العالم الافتراضي.
للأمم المتحدة تاريخ طويل في حشد العالم ضد الكراهية بجميع أنواعها للدفاع عن حقوق الإنسان وتعزيز سيادة القانون. ويمتد تأثير خطاب الكراهية إلى مختلف المجالات التي تركز عليها الأمم المتحدة، بما في ذلك حماية حقوق الإنسان، ومنع الفظائع، وتعزيز السلام، وتحقيق المساواة بين الجنسين، ودعم الأطفال والشباب.
ولمعالجة الاتجاهات المتزايدة للكراهية بكل أشكالها في جميع أنحاء العالم، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في عام 2019 استراتيجية وخطة عمل الأمم المتحدة بشأن خطاب الكراهية. هذه المبادرة الأولى على مستوى الأمم المتحدة بشأن خطاب الكراهية هي إطارعملنا الشامل لمعالجة أسباب وتأثيرات خطاب الكراهية، بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. ومنذ ذلك الحين، تتصدى فرق الأمم المتحدة القطرية، على أرض الواقع، لخطاب الكراهية من خلال تنفيذ مبادرات تثقيفية، وحملات الخطاب الإيجابي، والقيام بأبحاث لفهم الأسباب الجذرية ومعالجتها، وتعزيز الاندماج والمساواة في الحقوق.
واستجابةً لجائحة كوفيد 19، أطلقت إدارة التواصل العالمي التابعة للأمم المتحدة في عام 2020 مبادرة «Verified» ، وهي مبادرة عالمية تهدف إلى مكافحة التضليل حول الجائحة، والذي غالبًا ما يقترن بمحتوى للترويج للخوف والكراهية. وتتعاون مبادرة «Verified» مع وكالات الأمم المتحدة والمؤثرين والمجتمع المدني والشركات والمؤسسات الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي من أجل نشر معلومات موثوقة ودقيقة.
وفي عام 2021، صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يشجع الحوار بين الأديان والثقافات والتسامح وذلك من أجل مواجهة خطاب الكراهية. بالإضافة إلى ذلك ، تم تحديد يوم الثامن عشر من شهر يونيو/ حزيران يوما دوليا لمكافحة خطاب الكراهية.
وأخيرًا وليس آخرًا ، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة الأسبوع الماضي موجزًا سياستيًا مهماً بشأن نزاهة المعلومات على المنصات الرقمية، داعيًا إلى استخدام حواجز الحماية لمواجهة «التهديد العالمي الواضح والحالي» لخطاب الكراهية والتضليل على الإنترنت. وفي مؤتمر صحفي بالمناسبة، شدد السيد غوتيريش على الحاجة إلى عمل دولي منسق لجعل الفضاء الرقمي أكثر أمانًا وشمولية مع الحرص على حماية حقوق الإنسان.
تُظهر هذه المبادرات أننا لسنا عاجزين عن مواجهة خطاب الكراهية. وإذ تقود الأمم المتحدة هذه المهمة ، تبقى الجهود الجماعية ضرورية لزيادة الوعي بمخاطر الكراهية والعمل معًا لمنعها والقضاء عليها بجميع أشكالها. وبينما نحتفل باليوم العالمي لمكافحة خطاب الكراهية، دعونا نجدد التزامنا بإنهاء هذه الظاهرة السامة والمدمرة مع تعزيز المجتمعات الشاملة والعادلة والمسالمة التي تقدّر وتحمي حقوق وكرامة جميع الأفراد.
وعمل بن الأسود سابقًا مع الأمم المتحدة في سياقات تنموية وإنسانية مختلفة بالإضافة إلى الحكومة التونسية ووسائل الإعلام. وقام بتطوير وتنفيذ استراتيجيات اتصالية وحملات إعلامية متعددة الوسائط ، بما في ذلك في مجال اتصال الأزمات، وأقام شراكات قوية مع وكالات الأمم المتحدة والمؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص.
السيد بن الأسود طالب سابق بماجستير الفلسفة المعاصرة بالمدرسة العليا للأساتذة بفرنسا. وهو حاصل أيضًا على ماجستير الدراسات المعمقة في تاريخ الفلسفة من جامعة السوربون بباريس.
يجيد بن الأسود اللغات الإنجليزية والفرنسية والعربية بطلاقة.